Saturday, April 5, 2014

كتاب اصداء الذاكرة -للعم عبدالعزيز الشايع -الجزء الثالث

كتاب اصداء الذاكرة – الحياة في الهند –الجزء الثالث
من حسن حظ عائلة الشايع أن مكتبنا كان متطوراً في ذلك الوقت. فعلى سبيل المثال كان العمل آنذاك يعتمد بشكل اساسي على تبادل البرقيات وفي بعض الاحيان على الرسائل، فلم يكن التلكس أو الفاكس أو الهاتف الدولي قد ظهر وانتشر. وبما أن الاسواق متذبذبة الاسعار وفي صعود وهبوط مستمرين، كان لابد لنا من البحث عن وسائل أكثر كملية وأسرع، ولذلك رتبنا الأمر مع دائرة التلغراف في بومباي بحيث نستطيع إرسال برقياتنا بواسطة الهاتف لكي نؤمن سرعة وصولها ونضمن تسلمها من الشخص المعني، علاوة على تلقي الرد من الشخص المناسب في الوقت، المناسب ايضاً، وقد أمن لنا هذا الاجراء العملي اختصار الوقت حيث وفر يوماً كاملاً في إيصال وتسلم البرقيات عوضاً عن ارسالها كبرقية عادية وبالطرق التقليدية، وعن طريق البريد وتسليمها باليد.
وكان اختصار يوم كامل بالنسبة للعمل التجاري في ذلك الوقت يعني الكثير، وهي مسألة يفهمها كل من عمل في التجارة، خصوصاً على صعيد التداول وتذبذب اسعار السوق في فترات زمنية متقاربة، ناهيك عن عقد الصفقات المهمة. ويمكن تقدير أهمية هذا الاجراء لو علمنا أنه في تلك الاوقات لم يكن ثمة اتصالات هاتفية دولية، وتقنية الاتصالات كانت بطيئة ومتخلفة خصوصاً اثناء الحرب العالمية الثانية.

اول مرة في لندن
وقد منت اجيد اسلوب التلغراف (البرقيات) واستعملها بالتلفون في تفسير حروف الكلمات باللغة الانجليزية ،فمن المعروف أن لكل كلمة حرفاً خاصاً في إملاء التلغراف. وفي إحدى المرات استفدت كثيرا من تلك المعرفة ،فقد طبقت ما أعرفه في أول سفرة الى لندن في عام 1958 مع حمود النصف، حيث كنا نريد الاتصال بيوسف النصف الذي كان موجودا هناك ولكن لم يكن لديه علم بوصولنا الى لند في ذلك التوقيت تحديداً ،وكنا وصلنا مساءاً الى الفندق وكانت رغبتنا أن يتصل يوسف في الليلة نفسها لأننا لانعرف رقم هاتفه ولأنها كانت السفرة الاولى بالنسبة لنا الى لندن ،فلم نكن نعرف المواصلات ومحطات القطار تحت الارض، حيث اعتمدنا على الوصف العام الذي أوضحه لنا مدير الفندق وتوجهنا الى "فيكتوريا ستيشن" بالقطار الذي يسمى Underground لكي نرسل له من هناك برقية ،وعندما وصلنا الى المحطة هناك طلبت من موظف الاستقبال ارسال برقية فقال لي الموظف: اذهب الي كابينة الهاتف وضع فيه "شلن" واطلب الرقم وسيفتح الخط مباشرة وبعدها ارسل البرقية التي تريدها. ووجدتني اتذكر في تلك اللحظة كل ما تعلمته في الهند على هذا الصعيد تحديداً ،فطبقت الاسلوب نفسة وبدأت املي على الموظف الحروف المكونة للبرقية بكل سهولة وثقة، وفي الوقت نفسة نضع العملة في التلفون مقابل الكلمات التي نرسلها، مما جعل الموظف يعجب بطريقتي تلك، وهكذا ارسلت البرقية وفي صباح اليوم التالي كان يوسف النصف عندنا.
هذا الموقف البسيط يدل على اهمية كل معلومة يمكن ان نكتسبها في الحياة، فربما تبدو لأول وهلة غير مهمة أو مفيدة، ولكن لابد من ظهور موقف ما في حياتنا نستفيد منه بها، وهذا ما افادني كثيراً في عملي التجاري في بومباي ولاحقاً في الكويت.

3 عناصر مهمة
وليست المعلومات أو المعارف وحدها ما يمكن الافادة منها، بل لابد من الاشارة هنا الى اهمية العلاقات العامة، ولابد من تنميتها دائماً. وفي مكتبنا في الهند بدأت شبكة علاقاتنا تتوسع شيئاً فشيئاً، فقد كان لدينا زوار دائمون ،ولم يكن المكتب يخلو من الضيوف أو الزوار سواء كانوا من الكويت أو غيرها من البلدان بالإضافة الى الهنود، واتذكر مثلا أن هناك الكثيرين ممن كانوا يوجدون بشكل يومي في مكتبنا،و منهم عبدالعزيز حمد الصقر ومحمد عبدالمحسن الخرافي ومحمد النصف،و هذا التجمع يلتم شمله في الصباح عادة. وكان محمد الخرافي يستأجر بيتاً في بومباي، وكذلك عبدالعزيز الصقر بوجود عائلتيهما.
أما زوار المكتب الآخرين الذين كانوا يزورونه بشكل متقطع فكانوا كثراً ،أذكر منهم جاسم الصقر محمد الغانم وخالد العدساني وعبداللطيف العثمان وعبدالوهاب العثمان وحسين العسعوسي، وثمة من يزور بومباي ويكون مكان سكنه عندنا لأسبوع أو أكثر حسب الظروف.

مدرسة مفتوحة
وأستطيع الأن القول إن اختلاطي الدائم بهؤلاء الذين كانوا كلهم اكبر سنا وأعمق تجربة مني بمنزلة مدرسة مفتوحة في الحياة التجارية والعملية تعلمت منها الكثير مما لم اجده في المدارس النظامية. لقد استفدت من نقاشاتهم الدائمة وحواراتهم الحيوية وكانوا دائماً قدوة نموذجية لي ليس على صعيد العمل وحسب بل في كل مناحي الحياة. ورغم أن احاديثهم لم تكن موجهة لي بالتأكيد فأنني كنت استمع واختزل في عقلي كل ما اسمعه منهم، وهذا مما ضاعف خبراتي وافادني لاحقاً. ولعل الكثير من الاجيال الشابه العاملة في قطاع التجارة يستغربون عندما يقرأون مثل هذا الكلام الذي يدل على تعاون وتواصل هؤلاء التجار في ما بينهم واختفاء الانانية في علاقاتهم الشخصية والعملية على حد سواء. ولكن هذا فعلا ما كان يحدث، وأنا أعتقد أن أهم ميزة تميز ذلك الجيل التجاري الكويتي الرائد هو حرصهم على التعاون الايجابي في ما بينهم حتى وهم يتنافسون تجارياً، فقد كان التنافس تسوده روح الشرف والامانة والصدق والاحساس بالمسؤولية عن النفس وعن الآخرين أيضاً. ولم تكن تلك الروح التعاونية سائدة بين أجواء التجار الكويتيين في الهند فحسب بل كانت موجودة أيضاً في أجواء العمل التجاري في الكويت، وكانت تلك الروح تتضاعف أيام المحن والشدائد.

لاتجاوز على حقوق الزمالة
ولا أتذكر طوال ممارستي التجارة في الكويت أو في الهند، ان أحد من تجار الكويت تجاوز حق زميل له بالباطل ،و مهما كانت التجارة صعبة وظروفها قاسية وبالغة الدقة على صعيد التنافس العملي والاحتكاك اليومي في السوق ،فإن كل مشكلة مهما كان تعصيبة ،كانت تحل من خلال اللقاء المباشر، أو بواسطة محمك يتفق عليه الطرفان المتنازعان، ولا يختلفان على ما يتوصل الىة هذا المحكم في النهاية مهما كانت أحكامه. ولعل هذا من اسباب تفوق العمل التجاري في الكويت وابتعاده عن المشاكل اليومية الصغيرة التي غالبا ما تتسبب بها الخلافات الناتجة عن التنافس السلبي بين العاملين في القطاع التجاري في العادة.
ولعلي لا أبالغ أبداً اذا ما قلت أن تجار الكويت، ومنذ القدم، لم يعرفوا الخصومات ول يعانوا من حوادث الغدر ولا أساليب "الضرب تحت الحزام" في ما بينهم. وهذا مما يثير العجب لدي الكثير من التجار في البلاد الأخرى بقدر العجب الذي يثيره لدى الاجيال الشابة من تجار هذه الأيام.
لقد كانت تقاليد عملنا الأخلاقية الصارمة التي لم يشذ عنها احد هي التي أرست روح العمل الجماعي بيننا، وهي التي أدت إلى النجاح المميز الذي كنا عليه في ذلك الوقت.
ولعل ما ساعد على ذلك أن لكل تاجر كويتي من الذين ذكرتهم والذين لم تسعفني الذاكرة في الإشارة إليهم تخصصه التجاري، فمنهم من لم يكن يعمل بشكل رسمي في الهند، ومنهم من عمل في تجارة الذهب، أو غيرها من مجالات العمل والتجارة الاخرى، اما نحن ،شركة الشايع، فقد كان اختصاصنا منصباً على التصدير، خصوصاً الأقمشة لحاجة المنطقة الماسة إليها.
وأغلب الذي ذكرتهم من التجار لم يكونوا يوجدون في بومباي طوال العام وبشكل مستمر كما كنا نفعل ،بل كانوا يوجدون فيها لفترات معينة تتراوح مابين 6 الى 8 اشهر هي في الغالب شهور الشتاء ،ويسافرون في الصيف إلى الكويت عندما ينتهي الموسم التجاري بشكل عام سواء أكان ذلك في بومباي أم في الكويت. فقد كانت العلاقات بين البلدين على الصعيد التجاري وثيقة الصلة وشديدة الارتباط خصوصاُ أن الأشهر الأربعة من جون إلى سبتمبر هي موسم الأمطار والعواصف في البحر ويسمى Monsoon ويتوقف أثناء إبحار السفن الشراعية.

النجاحات التجارية
ولابد من الإشارة هنا إلى أن حكومة الهند البريطانية هي التي كانت تدير الهند بأكملها بشكل مركزي ،كما أنها تقوم بإدارة بقية البلدان التابعة لها ،خصوصاً منطقة الخليج وعدن بواسطة الممثلين والقنصليات المرتبطة بها ،فكان لها على سبيل المثال ممثلون في بوشهر الايرانية، وقنصليات في الكويت والبحرين ودبي ومسقط ،وكل الممثلين والقنصليات الخليجية يتبعون حكومة.

No comments:

Post a Comment