Tuesday, April 8, 2014

كتاب أصداء الذاكرة - للعم عبدالعزيز الشايع - الحياة في الهند -الجزء الرابع

كتاب اصداء الذاكرة – الحياة في الهند –الجزء الرابع

تمكن التجار الكويتيون بجهودهم الخاصة وابتكاراتهم التجارية في التصدير، ومنها صفقاتهم مع المهراجات ،من تمويل جزء كبير من احتياجات الخليج برمته من الهند وبخاصة الأقمشة ،حتى في أحلك الظروف وأصعبها. ولابد هنا من الاشادة مرة اخرى بالدور الكبير للنوخذه الكويتي والابوام في تلك المرحلة المهمة والحرجة من تاريخ المنطقة والعالم الذي كان مشتعلا بنيران الحرب. فبفضل الاسطول والتجار الكويتيين تحديداً لم تعان الكويت من الفاقة والحاجة للمواد الغذائية والاستهلاكية ومواد البناء وغيرها طوال سنوات الحرب، بينما كانت دول مجاورة تعاني أشد المعاناة من الحاجة إلى معظم السلع والبضائع.

البوم في الوقت الصعب
إن ما يستحق ذكره أنه عندما اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية ،وانشغلت جميع السفن والبواخر الخاصة في الشحن في الحرب ومتطلباتها، ظهر دور البوم الكويتي ،وكذلك "الكوتية الهندية" كما كانت هناك أبوام من منطقة صور العمانية. وكان الكويتيون يتعاملون مع تلك الأبوام العمانية في حال عدم توافر بوم كويتي، رغم اختلاف طريقة بنائها عن الأبوام الكويتية. أما السفن الهندية فكانت مشكلتها تكمن في طواقم العاملين فيها، فأغلبهم غير أمناء في العمل وعلى البضاعة المشحونة ،بل كانوا يسرقون نصف البضاعة ويدعون أنهم ألقوها في البحر عندما داهمتهم العواصف والأنواء الصعبة. وكذلك نوعية ومستوى السفن الشراعية الهندية أقل بكثير من مستوى البوم الكويتي ونوعية المواد المستعملة لاحتياجات البوم. وكذلك الصيانة المتوافرة للبوم الكويتي والمكلفة أيضاً.
وفي مقابل ذلك، لا اتذكر أن بوماً كويتياً أوصل بضاعة ناقصة تحت كل الظروف، وهذا ينطبق حتى على الابوام التي كانت تحمل كميات هائلة من الذهب والأموال، فقد كانت تصل من دون أن يمس البضاعة أي شيء. وهذ ميزة اضافية ميزت العمل في الأبوام الكويتية واضافت الكثير من رصيد النجاح للعمل التجاري الكويتي. وذلك بفضل أمانة واقتدار النوخذه الكويتي والبحارة الكويتيين، والسمعة الطيبة لأهل الكويت.

طريقتان للتصدير
وكان التصدير من الهند يتم بطريقتين، لاسيما في أوقات الحرب، فالأولى يكون التصدير للكويت فقط ويكتب ذلك على البضائع المصدرة بحيث لا يمكن إخراجها من الكويت بعد ذلك ،ويتحتم على التاجر بيعها في الكويت فقط وتخضع لمؤسسة التموين التي أسست في الكويت وتهتم بتوفير المواد الغذائية وغيرها مما يحتاجه الكويتيون.
أما الطريقة الثانية، فإن البضائع المصدرة من الهند إلى موانئ اخرى في الخليج وتأتي إلى الكويت يمكن اعادة تصديرها إلى بلدان اخرى ،وكنا في حالة التصدير غلى بلدان مثل قطر أو دبي أو الشارقة أو مسقط ولكننا في النهاية نصدرها للكويت فقط، لأن السوق فيها أكبر ،ومن هنا يعاد تصديرها إلى العراق وإيران والسعودية وباقي الدول ،حتى سوريا كانت تشتري تلك البضائع من الكويت.

دولار بومباي يتراجع
في ذلك الوقت لم تكن توجد مخازن في الجمارك، وجميع المخازن هي ملك للتجار، وهذه المخازن الخاصة توضع فيها تلك البضاعة المستوردة لغير الكويت برعاية الجمارك الكويتية ،فكان موظفو الجمارك يضعون اقفالاً خاصة بهم على أبواب تلك المخازن ،والتجار الكويتي صاحب البضاعة يضع أقفاله الخاصة أيضاً ،بحيث لايستطيع أي من الطرفين التصرف بالبضاعة منفرداً، بل كان يتطلب حضورهما معاً. وعندما يود التجار تصدير بضاعته للدول التي ذكرناها آنفاً يكون ذلك تحت اشراف موظفي الجمارك ومعاينتهم المسبقة لها بطبيعة الحال.
لكن دور بومباي التجاري تراجع كثيراً بعد استقلال الهند عن بريطانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ففي ذلك الوقت نالت الهند استقلالها من بريطانيا المنتصرة في الحرب، ولهذا اسباب ابرزها أن بريطانيا رغم انتصارها فإنها خرجت منها منهوكة القوى، وقد لعب الزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي في ذلك الوقت دوراً مهما في التسريع باستقلال الهند، معتمداً الاسلوب السلمي والمقاومة السلبية من إضرابات واعتصامات في النضال كما هو معروف، وقد لفت أنظار العالم كله في ذلك الوقت بمنظره المتواضع وملبسة البسيط ومعزته التي كانت ترافقه في كل مكان وكان يعيش جزئياً على حليبها. ورغم أنه لم يملك من حطام الدنيا أي شيء فإنه استطاع أن يستمر في دعوة أبناء شعبه إلى التعاضد والوحدة في سبيل نيل الاستقلال.

اعتصام مدني
ففي البداية، لم يتجاوب البريطانيون مع مطالبه ومطالب شعبه، فاضطر غاندي الى اعلان اعتصام مدني في الهند، ومن خلال ذلك الاعتصام دعا الى مقاطعة البضائع البريطانية. وشاهدت كيف اقفلت كل المحلات التي كانت تبيع البضائع الانجليزية بشكل تام لامتناع الهنود عن الشراء منها استجابة لدعوة غاندي. ولحسن حظنا أن ذلك الوضع لم يؤثر فينا كتجار في الهند، لأننا لم نكن نملك أي محلات للبيع بنظام التجزئة في بومباي ،بلل كنا نصدر كل البضاعة إلى الخارج.
وكذلك توالت دعوات الاعتصام وتحرك الشارع الهندي بشكل سلمي ،فلم اشاهد أب أعمال عنف بارزة طوال تلك الاعتصامات التي كنت شاهد عيان على الكثير منها. واستمر ذلك النضال السلمي حتى قررت بريطانيا الانسحاب من الهند وأعلنت الهند استقلالها سنة 1947 ،والذي نتج عنه انقسام الهند إلى دولتين هما الهند وباكستان. وبع فترة انقسمت الأخيرة إلى باكستان وبنغلادش.

بومباي تتراجع
وفي تلك الأثناء تأثرت أعمالنا التجارية في الهند من القرارات التي أصدرتها حكومة الهند المستقلة، وبخاصة ذلك القرار الذي أوجب على كل صاحب محل أو شركة من التي يمتلكها الأجانب –ونحن منهم بالطبع- أن يجد شريكاً هندياً يشاركه بنسبة 50% من رأسمال المحل أو الشركة ،كما أن تلك القرارات أقرت زيادة الضرائب، إضافة إلى أن أسلوب جنيها أصبح مزعجاً. والاهم من كل هذا أن الكويت في ذلك الوقت لم تعد كالسابقة، مرتبطة مع بومباي فقط، فقد تغيرت المعادلة وأصبحت البواخر تصل مباشرة إلى الخليج من اليابان واوروبا وأمريكا، وهكذا تقلص دور ميناء بومباي الذي كان لعقود طويلة حلقة وصل بين منطقة الخليج العربي والعالم الخارجي ،بينما أصبح مكتبنا في الكويت يراسل اوروبا واليابان مباشرة ويستورد منها ،فكنا نستورد الاسمنت من انجلترا والاقمشة من اليابان وبريطانيا ومن الكثير من بلدان العالم، ولك مع استمرار الاستيراد من الهند. تحملنا كل القوانين والظروف الهندية الجديدة التي لم تعد تناسبنا، لكننا التزمنا بها قدر ما نستطيع، فشاركنا مواطناً هندياً صالحاً وأميناً وكان يعرفه الأخ صالح الشايع ويدعى روشن علي في المكتب بنسبة 50%، واستمر المكتب بالعمل لغاية هذه السنة -2012، أي 116 عاماً كما ذكرت سابقاً.
لماذا استرجع كل هذه الذكريات بتفاصيلها الحلو والمرة الآن؟ لماذا استعيد أيام زمان مضى وأنتهى؟ لماذا أستعذب العودة إلى الماضي بكل هذا الإلحاح على تحقيق تحفيز الذاكرة وكتابة كل ما احتفظت به حتى الآن من ذكريات؟

(النجاح) كلمة السر
اجيب عن هذه الأسئلة بكلمة واحدة فقط وهي كلمة "النجاح" فحبي للنجاح الذي حققته في الهند هو الذي يجعلني الآن فخوراً بكل تفاصيله وحاولاً استرجاع كل تلك التفاصيل ليطلع عليها شباب هذه الايام لعلهم يستخلصون منها عبرة أو طريقاً نحو النجاح في م يختارونه من مجالات ودروب في هذه الحياة. وأؤكد مرة أخرى أن النجاح الذي يتحقق لعائلة الشايع في العمل التجاري هو للجهود التي قد بذلها الوالد وعمي وبعده صالح وعبداللطيف وبدأت أكمله ما بدأوه.
 لقد ذهبت إلى بومباي للمرة الأولى في حياتي وأن لم أتجاوز الثالثة عشر من عمري، وما أن بلغت التاسعة عشر حتى تحملت مسؤولية العمل الشاق في تلك البلاد الغريبة بعيداً عن أهلي وأصدقائي وبلدي. وكان الأخ صالح الشايع في ذلك الوقت قد تعمد ان يترك لي المجال مفتوحاً للعمل لأنه أطمأن إلى قدراتي ولثقته بي ،و لذلك كمن حريصاً جداً على أن أمون على قدر المسؤولية الملقاه على عاتقي في ذلك العمر الصغير، وأن أكون أهلا للثقة التي أولاني إياها الأخ صالح، فحاولت دائماً القيام بأعمال مفيدة جداً قدر استطاعتي ،وساهمت في تطوير عملنا التجاري بواسطة ما حباني الله اياه من حب للعمل وصبر على الشدائد وتحمل للمكاره واستخدام للعقل والابتعاد عن التهور من دون التخلي عن روح المغامرة المحسوبة بدقة، وهي روح العمل التجاري.

No comments:

Post a Comment